بقلم/ القس بولا فؤاد رياض
كاهن كنيسة مارجرجس – المطرية
الأم التي كرمها الله وأوصانا بإكرامها، الأم التي لها مكانة في كل الأديان، ونحتفل بعيدها يوم 21 مارس من كل عام، في هذا المقال نوضح مكانة الأم في الكتاب المقدس.
الكتاب المقدس يُكرم الأم. ففي سفر الأمثال “يَا ابْنِي، احْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلاَ تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ. اُرْبُطْهَا عَلَى قَلْبِكَ دَائِمًا. قَلِّدْ بِهَا عُنُقَكَ. إِذَا ذَهَبْتَ تَهْدِيكَ. إِذَا نِمْتَ تَحْرُسُكَ، وَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَهِيَ تُحَدِّثُكَ.” (أم 6: 20)
وفي الوصايا العشر وهي من أقدم الوصايا التي أوصى بها الله الإنسان نجد أن الوصية الخامسة هي “أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ”. (خر 20: 12)، وهي الوصية التي يقول عنها مُعلمنا بولس الرسول “أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ” (أف 6: 2)
وخير مثال لإكرام الأم هو السيد المسيح له المجد، فإنه حتى وهو على الصليب متألماً، لم يَنس أمه العذراء القديسة مريم فعهد بها إلى تلميذه يوحنا الحبيب، وقال له “هُوَذَا أُمُّكَ” (يو 19: 27). كما أن السيد المسيح له المجد أطاع رغبة أمه العذراء القديسة مريم في عُرس قانا الجليل، وحول الماء إلى خمر (غير مُسكر) جاعلاً أولى معجزاته بشفاعة أمه العذراء مريم. وفي صعود جسد العذراء القديسة مريم إلى السماء أتى السيد المسيح له المجد بنفسه مع ملائكته ليستقبلها للسماء.
وسليمان الحكيم الملك كان جالسًا على عرشه فلما جاءت إليه والدته فَقَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيًّا لأُمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ.” (1مل 2: 19). ولعِظم محبة الأم شبه الله محبته لنا بحنو الأم “كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا”، (أش 66: 13).
إن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم (أش 49: 15)، الأم هي نبع الحنان، والأم مدرسة، وصدقت مشاعر حافظ إبراهيم حينما قال “الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعبًا طيب الأعراقِ”.
ويقول الشاعر الفرنسي فولتير “إن الأمهات لم يخترعن المنظار المُقرب، ولا مضخة الحريق، ولا المِغزل، ولكنهم عملهن شيئًا أعظم وأكبر من كل ذلك، وهو أنه في حضنهن نما خير ما في الوجود، رجل شريف، وامرأة شريفة”، ويقول خليل مطران “إن لم تكن أم فلا أمة. فإنما بالأمهات الأمم”، ولذلك قال ابراهام لنكولن حينما أصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية “أنا مدين في كل ما وصلت إليه أو ما أطمع أن أصل إليه لأمي”.
ذهب الولد يومًا إلى المدرسة إذا بالناظر يقول له أنه غير صالح للدراسة، ابحث لك عن عمل آخر، وعاد الولد إلى البيت وقد أحمرت عيناه من البكاء، لكن أمه قالت له “أنت عبقري يا بني وستثبت لك الأيام ذلك” وقفت الأم بجانب ابنها تعلمه ومن خلال حبها ورعايتها وثقتها في قدرات ابنها أصبح ابنها “توماس اديسون” أحد عباقرة العالم من المخترعين، والذي يُنسب له أكثر من ألف اختراع أهمها المصباح الكهربائي. لعل أشهر وأول أم هي أمنا حواء أم البشر جميعًا ” أُمُّ كُلِّ حَيٍّ” وأما أعظم أم فهي حواء الجديدة أم السيد المسيح، أم ملك المحبة والسلام، ملكة الطهر والنقاء، سيدة السمائيين والأرضيين، (سيدة نساء العالمين) القديسة العذراء مريم التي سحق نسلها رأس الحية.
هناك في تاريخ الكنيسة أمهات مثاليات مثل الأم القديسة مونيكا التي ظلت تبكي على ابنها 20 سنة مُتضرعة إلى الله من أجله حتى قال لها الأسقف امبروسيوس أسقف ميلان “إن ابن هذه الدموع لا يهلك” وفعلا عاد ابنها القديس أغسطينوس الفيلسوف المُلحد إلى قطيع الإيمان ليصبح من أشهر فلاسفة المسيحية.
ولا تنسى الأم يوكابد أم موسي النبي كليم الله التي استطاعت في سنوات قليلة أن تغرس في ابنها قواعد الايمان، حتى أن 40 سنة قضاها موسي في قصر فرعون بكل ما فيه من عبادة وثنية لم تستطع أن تنزع منه الإيمان الذي أخذه من أمه في سنوات طفولته.
الأم روهوم بنت أزمع.. وهي من شهداء قبائل نجران العربية طلب منها الملك أن تبصق على الصليب هي وابنتها وحفيدتها، أما حفيدتها وكانت في التاسعة من عمرها إذ سمعت هذا الكلام ملأت فمها بصاقًا وبصقت على الملك فأمر الملك بذبح الفتاة، حيث سال دمها في فم جدتها “رهوم” ثم ذبحوا ابنتها أيضًا على فمها ولما سألها الملك “كيف تذوقتِ دم ابنتك وحفيدتك؟؟”، أجابته: “لقد تذوقته كقربان طاهر لاعيب فيه” فأمر الملك بقطع رأسها.
الأم آماليا.. هي أم عظيمة شب كل بنيها وبناتها على الإيمان، ثلاثة صاروا أساقفة “باسيليوس، وغريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية وابنتها ماكرينا التيصارت راهبة من أشهر راهبات القرن الرابع الميلادي.
الأم بكل لغات العالم:
من العجيب أن حرف “م- الميم” قد دخل في تكوين كلمة أم في معظم لغات العالم.
Related Posts